ما يحدث فى اتحاد الكرة حاليا يؤكد الخطايا العديدة التى كتبنا عنها فى الأسابيع الماضية.. الاستقالات المستمرة والتهديد بها لبعض أعضاء مجلس إدارة الاتحاد، وكذلك الاستقالات التى يقدمها رؤساء اللجان المهمة تؤكد أن هناك أمورا مغلوطة شاركت فى انهيار الكرة المصرية هذا العام على يدى مجلس سمير زاهر حتى أطيح بنا من تصفيات كأس العالم.. وتذكروا معى فى الأشهر الأربعة الأخيرة استقالة هانى أبوريدة ثم تراجعه عنها واستقال مجدى عبدالغنى وتراجع، وكذلك تهديد أيمن يونس بالاستقالة مؤخراً وجميعهم من أعضاء مجلس الإدارة.. كما استقال هذا الأسبوع (نايم) عزت رئيس لجنة المسابقات ومحمد حسام الدين رئيس لجنة الحكام.. الأول بسبب فضيحة لجنته فى واقعة أحمد عيد عبدالملك ومشاركته غير القانونية فى مباراة الزمالك وحرس الحدود.. والثانى بسبب فضيحة التدخل فى عمله من خلال أعضاء بالمجلس ظنوا أنهم اشتروا ذمم الموظفين والحكام واعتادوا على أنهم يجاملون ويأمرون فيطاعون.. فآثر محمد حسام الدين السلامة، واحترم نفسه وتاريخه وترك الساحة ليبرطع فيها المجاملون وأنا عن نفسى أسانده فى قراره.. فالمحترمون لا يعملون سوى مع المحترمين!
كل هذه الاستقالات أو التهديد بها يؤكد أن منظومة إدارة الكرة المصرية أصابها ثقب أكبر من ثقب الأوزون وبات ينبعث من ثقبها رائحة الفساد النتنة والمجاملة العفنة.. ولم تعد هناك ثقة فى هذا المجلس الذى يشهد عصره أكبر فساد إدارى ومالى وفنى فى تاريخ مجالس إدارات اتحاد الكرة على مدار تاريخه.. ورغم ذلك لا يزال زاهر وأعوانه المنتفعون جاثمين على أنفاسنا يمارسون أعمالهم الفاسدة بصورة طبيعية ولا أجد مبرراً لفرضهم علينا سوى أنه التطور الطبيعى لحالة الفساد العام التى أصبحت عليها بلادنا!
وسمير زاهر و(الأربعين) منتفع من حوله يحاولون بقدر الإمكان وبكل ما أوتوا من دهاء ومكر ونفوذ وسلطة تكميم الأفواه وتقصيف الأقلام عن طريق بعض الإعلاميين المرتزقة، وهنا أؤكد أن قصيدة الممنوعات التى انبعثت من قلب الشاعر الفصيح أحمد فؤاد نجم عام 1976 عن أحوال مصر خلال تلك الفترة لم يعد بالإمكان ترديدها.. فقد قال عمنا نجم:
ممنوع من السفر.. ممنوع من الغنا.. ممنوع من الكلام.. ممنوع من الاشتياق.. ممنوع من الاستياء.. ممنوع من الابتسام.. وكل يوم فى حبك تزيد الممنوعات.. وكل يوم بحبك.. أكتر من اللى فات.
هكذا قال نجم.. ولكننا اليوم لسنا ممنوعين من الكلام.. سنتكلم ونستاء ونبتسم ونغنى.. سنقول إن الفساد طال أركاننا وبات الأمر يحتاج لوقفة حقيقية.. والوقفة لن تبدأ من مسئولينا فهم مع صمتهم شركاء فى هذا الفساد الذى نعيشه.. ولو أرادوا الإصلاح لانتفضوا وحققوا وحاسبوا.. ولكنهم مثل الجبناء يتوارون ويخشون المواجهة ويتعاملون بمنطق الضعفاء إن جاءك الموج فاخفض رأسك.
فى كل دول العالم المتقدمة لو سخط الرأى العام على مسئول فإن ذلك يكون داعياً فورياً لإقالته والخلاص منه.. ولكن لأننا فى مصر من دول العالم المتخلف.. فإن المسئول الفاسد يعيش ويبرطع ويخرج لنا لسانه.. فالمهم أن يرضى عليه كبار القوم وليسوا صغاره الذين هم نحن وحضراتكم.
كنت أظن أنه حين نتحدث عن فساد مالى وإدارى وفنى فى مؤسسة كبرى مثل اتحاد الكرة فإن ذلك سيكون أمراً مهماً بالنسبة للمهندس حسن صقر.. الرجل الطيب.. الذى صحى من نومه على خبر تعيينه رئيساً للمجلس القومى للرياضة.. وجد أنه من الأفضل له أن يعيش فى جلباب سمير زاهر على اعتبار أن هذا الزاهر رجل إيده «طايلة» ولا يستطيع أحد المساس به.. المهندس صقر اختفى بين أوراق «أشجار الذرة» وقت أن كانت أحداث الجزائر فى ذروتها.. لم يستطع مواجهة الشارع المصرى.. وتلك هى طبيعة شخصيته المهزوزة.. الكل تكلم فى حب مصر.. والكل غضب وصرخ واستاء.. إلا صقر وهو أول من وجب عليهم الحديث.. ولكنه كعادته فى الأزمات يتوارى.. فى الانتصارات يقف ويصفق ويشارك فى الصور التذكارية.. وفى الأزمات يبدو وكأنه لم يأت وغير موجود.. وفجأة وبدون سابق إنذار ظهر الصقر وحلق فى السماء أخيراً وظهرت بشائره بإعلانه عن عقد اجتماع فى غاية الأهمية بينه وبين سمير زاهر وهانى أبوريدة وآخرين لأجل التجهيز للمؤتمر الصحفى العالمى المزمع عقده.. تخيلوا سيجلس زاهر وبجانبه صقر أمام الصحفيين بوكالات الأنباء العالمية ليطالبوهم أولاً بتذكر أحداث السودان والمؤكد أنهم نسوها بعد مرور شهرين عليها.. ثم يبدأون فى سرد تلك الأحداث بما يوحى بأن مصر أهينت وأن الجزائريين مجرمون.. تصوروا أنه بعد كل هذا الوقت يظن الصقر والزاهر أن إعلام العالم مهموم وينتظر ويقف فى الطابور أملاً فى الحصول على صك اتهام الجزائريين والظلم الذى تعرض له المصريون.. أى طريقة تفكير تلك التى يفكر بها السيد المسئول على الرياضة المصرية.. ألا يخجل من أفعاله؟!.. لا أظن!!
أعود لاستقالات المسئولين بالجبلاية فقد قال هانى أبوريدة إن أحد أهم أسباب استقالته هو هذا التدنى الإدارى فى منظومة الكرة المصرية وأنه يواجه ضغوطاً غير طبيعية ليتراجع عن إصراره فى تطبيق الهيكلة الإدارية الجديدة للاتحاد وبالطبع كل ذلك من أجل أن تستمر المجاملات ويظل الفاسدون يعبثون ويسيطرون على أركان الاتحاد.. عدل أبوريدة عن استقالته بعد جلسة صلح مع سمير زاهر عقدها وجهز لها المصلح الاجتماعى حسن صقر.. ترى لماذا لم يناقش صقر أسباب استقالة أبوريدة؟ ولماذا لم يعلن على الرأى العام كيف تدخل لإصلاح هذا الفساد الإداري؟.. وبالطبع هو لم يفعل، وربما لم يناقش من الأساس أسباب الاستقالة وأرى أن حديثه فى جلسة الصلح لم يخرج عن الجمل الآتية: انتوا مالكوش إلا بعض يا رجالة.. ده انتوا اخوات.. معقول كده دى مصارين البطن بتتخانق.. وأشياء من هذا القبيل وهكذا يفعل شيوخ العرب..!! وعدل أبوريدة عن الاستقالة.
أما استقالة مجدى عبدالغنى فكانت أسبابها بمثابة فضيحة لا يمكن السكوت عليها لأن عضو مجلس إدارة اتحاد الكرة قال فى استقالته نصاً إنه يتهم زملاءه بالمجلس بالفساد المالى فى ميزانية العام الأخير وأنه يطالب بالتحقيق فى ذلك.. ثم فجأة عقدوا مع مجدى عبدالغنى جلسة العرب إياها وعدل عن استقالته وبلاها تحقيق.. وإيه يعنى لما مسئول فى اتحاد الكرة يعترف بالفساد المالى ويطالب بالتحقيق.. ما هى الأزمة.. شوية فساد مالى هيخسرونا بعض.. ده كلام يعنى..؟!
أما عبدالغنى الذى برم شنباته مثل الأسد وأصر على استقالته وملأ وسائل الإعلام صراخاً.. تراجع وأصبح مستأنساً لدرجة أنهم أهانوه عندما سحبوا منه الإشراف وإدارة لجنة شئون اللاعبين ولم يتكلم.. ترى ما ثمن سكوتك يا كابتن!!
وجاء تهديدا أيمن يونس هو الآخر بالاستقالة مؤخراً ليكون استمراراً للحال المتردى الذى وصل إليه هذا المجلس بمباركة الصقر.. وقال يونس إنه إذا لم ينصلح الحال وتنتهى المجاملات وتتغير اللجان الفاسدة بالجبلاية فإنه لن يستمر.. وهو اتهام جديد بالفساد بطريقة.. «وشهد شاهد من أهلها»!!
أما الاستقالة الكوميدية فتلك التى قدمها اللواء (نايم) عزت رئيس لجنة المسابقات وبالطبع هو قرار إقالة فى حقيقة الأمر بعد فضيحة مشاركة أحمد عيد عبدالملك لاعب الحدود فى لقاء الزمالك.. والطريف أن (نايم) ظهر فى بعض البرامج الفضائية المساندة والمنتفعة من اتحاد الكرة بغية تجميل صورته لعله يخرج بريئاً أمام الرأى العام.. والمدهش أن (نايم) كان نائماً فى تصريحاته ووضح أنه لا يعرف شيئاً عن لوائح المسابقات رغم المحاولات المضنية التى قام بها مقدم البرنامج لمساندته فى الحوار ولكن أى مبرر يمكن قبوله أمام القرارات الفاسدة!
وأخيراً استقالة محمد حسام الدين رئيس لجنة الحكام ولها سببان ظاهران وأسباب أخرى خفية.. أما الظاهر منها فهو الهجوم الذى يتعرض له الرجل الشريف من بعض أعضاء مجلس إدارة الاتحاد بوسائل الإعلام لمجرد أنه أراد تطبيق الصحيح وعدم الانصياع وراء الرغبات الفاسدة والمجاملات لأصحاب المصالح و كذلك عدم رضائه على عدم صرف مكافآت الحكام من الموسم الماضى ووصلت مديونية الاتحاد للحكام لما يقرب من مليونين ونصف المليون جنيه.. والغريب أن هذه المديونية تأتى فى الوقت الذى تتصدر قائمة إنجازات هذا المجلس فى كل تصريحات أعضائه أنه الوحيد فى تاريخ الكرة المصرية الذى يدر الملايين من الجنيهات لخزينة الاتحاد ويفخرون دائماً بأنهم مجلس (البيزنس).. أى «بيزنس» هذا والحكام مش لاقيين (ياكلوا)!!..
أما الأسباب الخفية فهى بطبيعة الحال الضغوط التى يتعرض لها محمد حسام من كبار رجال الاتحاد ليترك منصبه بعد أن أغلق على المنتفعين والمجاملين والفاسدين كل قنوات التدخل فى تعيين الحكام حسب مصالح المقربين من رؤساء الأندية..
كابتن سمير زاهر.. حقاً.. ما يحدث فى عهدك من فساد مالى وإدارى وكذلك فنى بعد كل ما اقترفه حسن شحاتة بمنتخب مصر ومجاملاته غير المسبوقة مما أدى لإقصائنا من كأس العالم.. كل هذا الفساد يجعلك تتربع على عرش المسئولين الفاشلين فى تاريخ الكرة المصرية.. وتلك من وجهة نظرى ريادة تُحسب لك ولكن ليس بإمكانى حين أشاهدك نتكلم إلا أن أصرخ فى وجهك وأقول لك: «اخرس يا كابتن مش مكسوف من نفسك»!!!